الحلقة الثانية:
-اليوم تعاني شعوب ومجتمعات أخرى عريقة وقديمة من مسألة الفساد كلفتهم هذه الظاهرة ضياع نظالهم ودماء شهدائهم. شعوب لايقل نظالهم ولادماء شهدائهم التي أراقوها بحثاً عن حقوقهم وحريتهم عن دماء شهدائنا، إلا أنها ضاعت لا لشيء سوى لسبب واحد هو الفساد.
لقد أصبحت ظاهرة الفساد على رأس جداول الأجتماعات والمؤتمرات والقمم وأصبح الحديث فيها عن كيفية القضاء على هذه الظاهرة قبل أن تقضي علينا فقد بلغت من الشدة بحيث باتت تهدد كيانات ومجتمعات عريقة وعظيمة.
ورغبة في إضافة شيء يسير على الكثير مما قيل في هذا الموضوع نقول أن المعالجات لابد وأن تكون جذرية وعميقة للتخفيف من آثار آفة تؤرق العالم. والجذرية هنا لاتعني بالضرورة النظرة أو الزاوية الشمولية في معالجة مسألة معينة، ولايفترض بالحلول أن تحقق القضاء والمعالجة الكاملة وعملياً لايوجد حل يحقق القضاء الكامل 100%.
ربما البدء بعملية تأهيلية تربوية علمية تدريجية مبنية على الوسائل المتاحة والظروف المتأتية قد يتأمل منها أن تحقق نتائج لابد وأن تكون سليمة وآمنة في الوقت نفسه طالما أن القائمين عليها موضوعيون ومتجردون همهم الصالح العام.
إن المجتمعات الأنسانية خليط من أمور سيئة وجيدة وللحؤل دون أن تطغى السيئات من الأمور حسب معايير العصر، وحفاظاً على الأستقرار النسبي الأمثل للأمور وحرصاً على ضمان مسار العيش والحياة بأقل الخسائر وأفضل النتائج وأكثرها فائدة وفي سبيل التخفيف من عواقب مسألة الفساد والحد من آثارها وحصرها ضمن إطار لايمكن لها أن تهدد كياننا وإنجازات شعبنا هذا الشعب الذي ذاق محارق وويلات يستحق أن يهنأ بحياة كريمة. هذا الشعب الذي وصل أخيراَ الى طريق الحرية والأستقلال ... خصوصاً بعد أن إنبلجت غيوم الخوف والخشية السوداء القاتمة من سماء كوردستان ولم تبقى إلا البعض منها وسوف تنبلج مع الأيام بعون الله وعزيمة هذا الشعب الجبار ولم يعد الفرد الكوردي يخشى على حياته وحياة أطفاله وعائلته أو على ماله من هجمات أنظمة بائدة كما كان في السابق ولم يعد ملاذ الفرد الكوردي الآمن هو الحصول على فرصة إخراج عائلته الى أوربا أو أمريكا كما كان، علينا أمام هذا الواقع الجديد إعادة الأمور الى نصابها وعلى أصحاب القرار البدء بكل حزم وإرادة وبكل ما آتاهم الله من قوة بالضرب على أيدي الفساد وتدمير بنيانه وأسسه وتحطيم أركانه التي يحاول بنائه في كوردستان.
ربما ترسخ في العراق أسس لنظام سياسي قد يصبح واعداً للشعب الكردي وبصورة مختلفة كل الأختلاف عما سبق. فقد تعرفت قضية هذا الشعب بمآسيها للعالم وإعلامه وبات كيانه مكفلاً ومصوناً من القانون الدولي والأممي إضافة الى دستور العراق، ربما لم يعد للخشية على كيان ووجود شعب كوردستان مايبرره ولم تعد لهذه الذريعة القديمة ما يبرر قبول فساد الحكام كما كانت الأمور في السابق. كفا مجالاً للفساد الذي أنهك وثبط كثيرأً من عزيمة الناس.
يفترض بالبرلمان أن تكون له أجهزة رقابة فعالة جداً في مراقبة سلوك أعضائها وأجهزة رقابة فعالة أخرى في مراقبة سلوك الحكومة بأجهزتها المختلفة وأن تكون للحكومة أجهزة رقابة فعالة جداً في مراقبة سلوك أعضائها.
لابد من تغيير كلي وجذري في أسلوب وميكانزما عمل الدوائر الحكومية ووضع رقابة قوية وحازمة على تأدية المدراء والموظفين لواجباتهم في خدمة المواطن بالأستعانة بالتكنلوجيا المتطورة.
لابد من فرض وتفعيل أجهزة رقابة في تعامل الحكومة مع المواطنيين وأجهزة رقابة عمل أجهزة القضاء وتعاملها.
تفعيل قوانيين خدمة مدنية ووظيفية وعمالية، تتوائم مع روح وتعقيدات العصر...
منح الفسحة والفرصة الكاملة للأعلام للقيام بدوره الرقابي للوقوف على الخروقات وحالات الفساد المستشرية والوصول الى مرتكبيها ووضع اليد عليهم بدون أي تحفظ أو إستثناء لأي كان مهما كانت مرتبته، والحرص الشديد على العلانية عند إحضارهم أمام دور العدالة لينالوا جزائهم العادل على إستهتارهم بالناس وأموالهم وإستغلالهم لمراكزهم ومناصبهم والمحسوبية والمنسوبية التي يمارسونها مع أبناء جلدتهم. وهنا نركز على دور الأعلام الذي يمكن الأعتماد عليه كثيراً لأن الأجهزة الأخرى والتي يفترض بها أن تقوم بدورها الفاعل في محاربة الفساد خائرة القوى وربما طالتها الفساد أيضاً فعند تتبع حالات الفساد التي تضبط وتحاسب والعقوبات التي تفرض على المتورطين فيها تجد أنها تشجع الفساد أكثر مما تحد منها وتجعل مرتكبيها عبراً لغيرهم. إننا أمام حالة تشائمية لأكثر المتفائلين عند ملاحظة الدور الذي تلعبه هذه الأجهزة في خدمة المواطن. ولابد من ثورة أو إنتفاضة ... قانونية وقضائية وإدارية وثقافية وإجتماعية... لنتفائل بالمستقبل.
قبل فترة وقبل التحولات السياسية التي طفت مؤخراً وبعدها أيضاً كان الحديث يدور حامياً حول محاسبة المتورطين في الفساد أو إتخاذ إجراءات معينة بحق البعض وكان ومازال الحديث حامياً الى درجة صدقه البعض إلا أنها كانت كما هو الحال زوبعة في فنجان بل أنها ربما ساهمت في تعزيز قوى الفساد وقوّت شوكتهم وربما أخذت أعمالهم طابعاً أكثر علانية وشراسة وشراهة بعد أن تيقنوا عجز الأجهزة المسؤولة عن محاسبتهم أو أنهم ضمنوا شرها لأن بعض القائمين على أجهزة مراقبة ومتابعة الفساد أصبحوا عبئاً على الأعباء ..؟؟؟ااا.
وكأن هنالك من يحرك الأمور ويدفع بها الى ترويج الفساد وإستباحة المال العام وحقوق المواطنين وتحميل المواطن إلتزامات ورسوم وضرائب وأجور خدمية لمصلحة الدولة وأجهزتها وحرمانه من أبسط حقوقه الدستورية والقانونية المفروضة له على دولته بإعتبار أن الشعب هو مصدر سلطات الحكومة. بل إن الأمور لم تقف عند هذا الحد إنما وصلت في بعض الأوساط الى درجة أن منْ لايشترك في أعمال الفساد بات يبعد عن المسؤولية ويخفض مستوى مسؤولياته لكي تدفع به الأمور الى الأستقالة أو الهرب ..... فتفرغ الساحة لمجموعة معينة تتقلد الأمور وتغطي على بعضها البعض ويتمسكون بتقلد الأمور لحين وصولهم الى سن التقاعد الأجباري والحمد لله على هذا القانون ...
ورب سائل يسال ما السبب وراء السكوت عن محاسبتهم؟!
ربما السبب وراء عدم مسائلة ومحاسبة هؤلاء من قبل الدولة هو عدم إستقرار الوضع في العراق ولمدة طويلة. وخصوصية وحساسية الوضع السياسي في كوردستان فمن الخارج يتربص الأعداء من كافة الجوانب بالوضع السياسي للشعب الكوردي ومن الداخل فان بعض المتسلقين المتزلفين الأنتهازيين ومتحيني الفرص والذين أغلبهم كانوا ومازالوا من أعتى أعداء الشعب الكوردي في كافة مراحل نضاله بل إن أغلبهم كانوا من أشد المتعاونيين مع أعداء الشعب الكوردي إن أمثال هؤلاء يستغلون وينتهزون الفرص ويتزلفون ويحطّون من أنفسهم ويبيعون ذاتهم ويتسلقون جهة سياسية دون أخرى ويتلونون كالحرباء باللون الذي يضمن لهم مصالحهم الذاتية والشخصية الضيقة دون أي إعتبار لأي شيء آخر سوى مصالحهم الأنانية والذاتية الصرفة.
إن مثل هذه المتسلقات المتزلفة من أنواع البشر هم عماد وأركان ظاهرة الفساد وهم السبب الرئيسي وراء إستشراء ظاهرة الفساد وتدمير القاعدة الشعبية للجهة السياسية التي ينتمون إليها إن فداحة الأضرار التي تلحقها مثل هذه الفئة من المتسلقات الأنتهازية القذرة بالحركات الوطنية الجماهيرية المحبوبة تتجاوز كل التصورات فالدوائر المغلقة التي تنجح مثل هذه الفئات الأنتهازية الفاسدة الموبؤة في إنشائها داخل الحركة السياسية عبر الفساد والتهديد المالي والجنسي والرشاوي والقتل والمؤامرات الدنيئة تصل الى مستويات عالية تجعل من تلك الحركة السياسية التي ينتمون إليها رهينة محتجزة يحولونها الى آلة حركية حزبية سياسية يتحكمون بها ويحركونها كما تشتهي مصالحهم لتجد الحركة السياسية نفسها في مرحلة من المراحل بأنها أصبحت رهينة مختطفة محكومة بزمرة من المرتزقة عبيدو المال الذين طالما حاربتهم الحركة، وأن قيادة الحركة السياسية بريئة منهم...
إن خطورة نتائج ظاهرة الفساد تكمن في عدم معالجتها وتركها تعمل على إنشاء دوائر وعصابات مغلقة. ومن يقرأ تأريخ صراع حكومات الولايات المتحدة الأمريكية مع عصابات المافيا التي أوشكت أن تختطف مقاليد الحكم وقوة تأثيرها على دوائر صنع القرار ربما يكون له وجهة نظر معينة في خطورة الحالة... وقوة المافيا التي قد نعاني منها قريباً جداً أو ربما نعانيها حالياً...
فإذا كانت الظروف السياسية فيما سبق من وقت مانعاً وراء عدم الضرب على أيدي أركان الفساد والخشية من أن يستغل الأعداء أركان الفساد الذين يتم محاسبتهم، لغرض إلحاق الأضرار بالقضية الكبرى للشعب الكوردي أو إستغلالهم من قبل طرف لتحقيق سبق أو خرق على حساب طرف الآخر، من خلال إستمالته...
فإن الوقت لم يفت بعد وقد حانت لحظة الحقيقة والمواجهة وإن الظروف الحالية مؤاتية جداً في سبيل تحطيم شبكات ودوائر الفساد وإبعاد المتسلقين الأنتهازيين من دوائر المسؤولية ومنعهم من إلحاق أضرار أكبر بنضال هذا الشعب الذي أراق دماً ملئه الوديان والسهول في سبيل تحقيق حريته، وليس هناك اليوم ما يمنع أو يحول دون ذلك ... ومهما يكن درجته أو مكانته... وإلا سوف نقرأ على أنفسنا السلام.